ما بين "حيرت قلبي" و"رق الحبيب".. قصص حب لم تكتمل في حياة كوكب الشرق
قصة حب لم يحالفها الحظ، وأسطورة من أساطير الفن اعترض طريقها حب من طرف واحد، ليبقى صاحبها على العهد والاخلاص لمدة 55 عامًا دون أن يبل ريقه كلمة، أو يريح قلبه ويطفئ لهيب اشتياقه ولوعته حرف، وفضل أن يكون شهيد للحب بكامل إرادته رغم استطاعته أسر القلوب عن طريق سحر قلمه وايقاع كلماته إلا أنه لم يستطع التأثير على من أحبها قلبه واختارها عقله.
كانت بدايتها أغنية "الصب تفضحه عيونه"، وهي من أولى الأغنيات التي غنتها كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي أم كلثوم وكانت من كلمات شاعر الشباب أحمد رامي، وقد اخذها منه الملحن أبو العلا وأعطاها لأم كلثوم كي تغنيها وذلك في عام 1924.
وبدأت العلاقة بين أحمد رامي وأم كلثوم من هنا، وحينما علم "رامي" بأن هناك فتاة تغني كلماته ذهب ليسمعها وغنت أمامه الاغنية بدون استخدام أي الات موسيقية، وعند انتهائها قال لها رامي "هذه أول مرة أطرب فيها لمغن بعد الشيخ سلامة حجازي".
بدأ "رامي" في حضور حفلات أم كلثوم، وعندما شاهدته أول مرة غنت له قصيدته مرة اخرى تحية له، ومن وقتها وقع "رامي" في عشق طرب صوت أم كلثوم وحنجرتها الذهبية بكل ما تحمله من قوة وشجن، حتى تربعت على عرش قلبه، ووصل حبه لها حد التقديس، وكانت ملهمته الوحيدة.
بدأت العلاقة عن طريق الكلمات، واستمرت لمدة 55 عام وتجسدت في 136 أغنية، وكان "رامي" يسرد كل ما بينهم ويبوح بما في قلبه عن طريق تأليف كلمات تغنيها كوكب الشرق، وجسد فيها كل معاني وأشكال الحب وغزلها في كلماته التي مازالت تحتفظ بقوتها وروحها حتى الآن.
تكلم رامي عن حالات مختلفة للحب من العشق والعتاب، الخصام والهجر، العناد والحرمان، بين سطور كلماته، فقال حيرت قلبي معاك ومقطعها الشهير:
"واقول لك ع اللي سهرني واقول لك ع اللي بكاني واصور لك ضنى روحي وعزة نفسي مانعاني".
كما كتب لها اغنية جددت حبك ليه ويقول فيها: "جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح حرام عليك خليه غافل عن اللي راح"
وتألق رامي في اغنية يا مسهرني: "ماخطرتش على بالك يوم تسأل عني، دي عنيا مجافيها النوم يا مسهرني"، وكانت اخر ما كتبه في حضرة جمال الست.
لم يعترف رامي بحبه لأم كلثوم بشكل واضح، وأرد أن يستتر وراء إيقاع كلماته، لأنه كان يرى أن الزواج يقتل الحب، ويفقده حرارته وبريقه الخاص وسحره على القلوب.
كما ان لعدم الاعتراف جوانب اخرى مثل أنه رجل شرقي، يحب ويغار وكان سيقرر ألا تمارس كوكب الشرق الغناء مرة أخرى، بالإضافة إلى اعتراف السيدة أم كلثوم حين قالت "أنها تحب فيه الشاعر وليس الرجل".
رفض "رامي" ان يقتضي من أم كلثوم ثمنا لكلماته التي ألفها لها، وحين سألته عن السبب رد قائلا: "أنا مجنون بحبك، والمجانين لا يتقاضون ثمن جنونهم، هل سمعت أن قيس أخذ من ليلى ثمن أشعاره التي تغنى بها"
وقال توحيد رامي في حوار مع مجلة الاذاعة والتلفزيون، انه كان لوالده طقوس وعادات خاصة عند حضور حفلات كوكب الشرق، مثل أنه اعتاد أن يجلس في مقعد مخصص له دائما وهو المقعد رقم 8، ويكون في كامل اناقته كأنه عريس، ومن ضمن تلك الطقوس أن يذهب لحفلات أم كلثوم منفردًا، ويقال أنه علق صورتها في غرفة نومه لعدة سنوات، بالإضافة إلى أنه اعتاد أن يخصص لها يوم الاثنين من كل اسبوع كي يراها، وهو يوم اجازته من العمل، وكانت زوجته تعلم بحبه لام كلثوم. وحين قالوا لها: "إن زوجك يحب أم كلثوم"، ردت قائلة: "وأنا أيضا أحبها".
وقد كتب رامي تعاسته بيده حين عرَّف أم كلثوم على زوجها الدكتور حسن الحفناوي الذي كان من مستمعيها، وطلب من "رامي" أن يعرفه عليها، فعرفهما ببعض وتزوجوا.
ظل "رامي" متيم وعاشق لأنفاس أم كلثوم ولها شخصيا، لم ييأس وظل يحبها حتى رحيلها، وبذكرى وفاتها الأولى، أقيم حفل لها في أكاديمية الفنون، فبراير عام 1976، وقف رامي أمام الرئيس الراحل أنور السادات، ووزير الثقافة الأديب يوسف السباعى، وقال قصيدته الاخيرة لها وكانت رثاء يقول فيه:
ما جال في خاطري أنّي سأرثـيها
بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها
قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني
واليومَ أسـمعني أبكي وأبـكيهــا
وبي من الشَّجْوِ من تغريد ملهمتي
ما قد نسيتُ بهِ الدنيا ومـا فـيها
وما ظننْـتُ وأحلامي تُسامرنـي
أنّي سأسـهر في ذكرى ليـاليها
يـا دُرّةَ الفـنِّ يـا أبـهى لآلئـهِ
سبـحان ربّي بديعِ الكونِ باريها
مهـما أراد بياني أنْ يُصـوّرها
لا يسـتطيع لـها وصفاً وتشبيها.
وقد اعترف بحبه لها بوضوح بعد وفاتها فى حوار صحفي مع الكاتب محمد تبارك، وحينها قال "أحببت أم كلثوم حتى التقديس ولم أندم لعدم زواجى منها، والآن أعانى الاكتئاب منذ أن غابت عن الدنيا ولم يبق عندى سوى الدموع فقد بكيت كثيرًا فى طفولتى وشبابى، والآن أبكي أكثر بعد رحيلها، بالإضافة إلى قوله "أنه يحب أم كلثوم كما يحب الهرم، لم يلمسه، ولم يصعد اليه لكنه كان يشعر بعظمته وشموخه"، وكانت أم كلثوم قد أهدته خاتمًا خاصًا، وظل العاشق متمسكًا به في اصبعه لمدة 30 عام حتى رحيله.
حظت ام كلثوم بعشق بلا حدود، ونافس "رامي" في حبه للسيدة "القصبجي"، وتصارعا للوصول إلى قلب أم كلثوم ولكن حاله لم يكن بأفضل منه، فلم يظفر أحد منهم بها أو بحبها وكانوا أسرى للحب من طرف واحد.
لحن "القصبجي" لثومة عدة أغنيات منها أغنية تعبر عن حالة حبه وهي "رق الحبيب" في مقطعها الخاص "وإيه يفيد الزمن مع اللى عاش فى الخيال"، ولحن لها "مادام تحب بتنكر ليه"، وظل خلفها 43 عامًا حتى رحيله، وكان للقصبجي الفضل في إنطلاق أم كلثوم، وكتم حبه وتنازل عن التلحين ليكون عازف في فرقتها ويحظى بالقرب الدائم منها، ولأنه أيضًا أحس بتجاهل أم كلثوم له وتفضيلها لألحان رياض السنباطي ومحمد الموجي، قرر ان ينسحب من حياتها الفنية كملحن.
مقتطفات شاهدة على حب رامي لسومة:
- أنا حالي في هواها عجب.
- هفضل أحبك من غير ما أقولك إيه اللي حير أفكاري لحد قلبك ما يوم يدلك على هوايا المداري.
- شرف حبيب القلب بعد طول الغياب.
- أخدت صوتك من روحي.
- قلبي عرف معنى الأشواق.
- زارني طيفك في المنام.
- صعبان على اللى قاسيته فى الحب من طول الهجران ما اعرفش ايه اللى جنيته من بعد ما رضيت بالحرمان.
- روحي وروحك في امتزاج.