النرجسية في الأطفال.. هل يمكن اكتشاف السمات في عمر مبكر؟
النرجسية في الأطفال. تُعرف النرجسية على أنها اضطراب في الشخصية يتسم بالتمركز حول الذات، والحاجة الشديدة للتقدير والإعجاب، مع قلة التعاطف مع الآخرين. وعلى الرغم من أن معظم الأبحاث ترتبط بالنرجسية عند البالغين، إلا أن بعض الآباء والمختصين يتساءلون: هل يمكن اكتشاف السمات النرجسية لدى الأطفال في سن مبكرة؟ وهل يمكن أن تؤدي هذه السمات المبكرة إلى تشكل شخصية نرجسية في المستقبل؟ في هذا المقال من لهلوبة، سنستعرض معاً سمات النرجسية عند الأطفال وكيفية تمييزها، ونتناول دور التربية في تشكيل شخصية صحية وسليمة.
فهم النرجسية عند الأطفال
قبل مناقشة النرجسية عند الأطفال، من الضروري فهم الفرق بين السمات النرجسية الطبيعية في مرحلة الطفولة وتلك التي قد تشير إلى تطور اضطراب النرجسية في المستقبل.
- الأنانية في مرحلة الطفولة: قد يظهر الأطفال سلوكيات أنانية، وهذا طبيعي إلى حد ما في سنواتهم الأولى. فهم ما زالوا يتعلمون عن العالم وعن كيفية التعبير عن أنفسهم.
- المرحلة النمائية: تتسم الطفولة المبكرة بتركيز الطفل على ذاته واحتياجاته، حيث يتعلم الطفل التعبير عن احتياجاته والانتباه لنفسه.
- السمات النرجسية vs. مراحل النمو: قد تكون بعض السلوكيات التي قد تبدو نرجسية جزءاً طبيعياً من نمو الطفل، وليست دليلاً على اضطراب.
السمات النرجسية لدى الأطفال
رغم أنه من الصعب تشخيص النرجسية في سن الطفولة، إلا أن هناك بعض السمات التي قد تشير إلى ميل الطفل نحو سلوكيات نرجسية تتجاوز التصرفات الطبيعية للأطفال.
- الحاجة المفرطة للإعجاب: الأطفال الذين يطالبون باستمرار بالتقدير والإعجاب وقد يظهرون انزعاجاً شديداً عند تجاهلهم.
- صعوبة قبول الخسارة: إذا كان الطفل يظهر غضباً أو انزعاجاً غير طبيعي عند الخسارة أو عندما لا يكون محط الأنظار.
- قلة التعاطف: قد يعاني الطفل من صعوبة في فهم مشاعر الآخرين، أو يظهر قلة اهتمام بهم، أو يتجاهل مشاعر الآخرين لصالح تلبية احتياجاته.
- السعي للتحكم بالآخرين: بعض الأطفال قد يظهرون رغبة قوية في السيطرة على أصدقائهم أو أفراد العائلة، ومحاولة التأثير عليهم لتحقيق مصالحهم الشخصية.
الأسباب المحتملة لتطوير سمات نرجسية عند الأطفال
النرجسية ليست سمة فطرية يولد بها الطفل؛ بل تتأثر بالعوامل البيئية والنفسية التي يعيشها. من هذه العوامل:
- الإفراط في التقدير والمديح: إذا شعر الطفل أن قيمته تأتي فقط من إعجاب الآخرين به، فقد يتطور لديه إحساس مفرط بأهميته.
- النقد المفرط أو التقليل من الذات: الأطفال الذين يتعرضون لنقد دائم أو يشعرون بأنهم غير مقبولين قد يسعون لتعزيز ذاتهم بشكل مبالغ فيه كطريقة لحماية النفس.
- النماذج الأبوية النرجسية: قد يقلد الأطفال سلوكيات الآباء النرجسيين، حيث يتعلمون من خلال ملاحظة السلوكيات وتعزيزها في البيئة المحيطة.
كيف يمكن للآباء التعرف على هذه السمات في عمر مبكر؟
هناك بعض الإشارات التي يمكن للآباء مراقبتها للتعرف على السمات النرجسية المحتملة لدى أطفالهم:
- التركيز على الذات بشكل مبالغ: إذا كان الطفل يظهر انشغالاً زائداً بمظهره أو إنجازاته ويريد أن يكون محط الاهتمام دائماً.
- التعامل مع الآخرين كوسائل: قد يظهر الطفل سلوكيات تشير إلى استغلال الآخرين لتحقيق ما يريده.
- رفض المشاركة أو اللعب الجماعي: إذا كان الطفل يرفض اللعب الجماعي أو يتجنب الأنشطة التي تتطلب التعاون، مفضلاً التفوق والسيطرة.
دور التربية في تقليل السمات النرجسية وتعزيز القيم السليمة
يمكن للتربية السليمة أن تلعب دوراً كبيراً في توجيه الطفل نحو السلوكيات الصحية وتعزيز التعاطف والتوازن في الشخصية.
نصائح لتربية طفل متوازن:
- التوازن في المديح والنقد: احرص على مدح الطفل وتشجيعه دون الإفراط، وتقديم نقد بناء يساعده على التحسن بدون أن يقلل من ثقته بنفسه.
- تشجيع التعاطف مع الآخرين: درب الطفل على التعاطف من خلال الحديث معه عن مشاعر الآخرين، ومساعدته على فهمها.
- تعليم مهارات التعاون: شارك الطفل في أنشطة تعاونية حيث يتعلم العمل ضمن فريق، وكيفية مشاركة الآخرين واحترام دورهم.
- النماذج الإيجابية: كن قدوة لطفلك في التصرف بتواضع وتقدير الآخرين، فهذا يعلمه كيفية التعامل بطريقة صحية مع من حوله.
كيف تتعامل مع طفل تظهر عليه سمات نرجسية؟
إذا لاحظت سمات نرجسية لدى طفلك، فإن هناك طرقاً لتوجيهه نحو سلوكيات أكثر توازناً:
- وضع حدود واضحة: الطفل الذي يشعر بالحدود يعرف أنه لا يستطيع دائماً تحقيق كل رغباته.
- التشجيع على الاستقلالية: دعم الطفل على أن يعتمد على نفسه في بعض المهام ويكون مسؤولاً عن تصرفاته.
- التأكيد على قيمة الجهود وليس النتائج: عندما يشيد الآباء بالجهود التي يبذلها الطفل، سواء فاز أم خسر، فإنهم يساعدونه على التركيز على العمل بدلاً من النتيجة النهائية.
متى يجب طلب المساعدة من مختص نفسي؟
إذا كانت السمات النرجسية تزداد وتؤثر على حياة الطفل بشكل سلبي، مثل عدم قدرته على تكوين صداقات أو التفاعل مع الآخرين، فقد يكون من المفيد استشارة مختص نفسي. المعالج النفسي يمكن أن يساعد في تقديم طرق علاجية مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يعمل على توجيه الطفل نحو فهم مشاعره ومشاعر الآخرين بشكل أفضل.
ختامًا، النرجسية في الأطفال ليست بالضرورة دليلاً على مشكلة دائمة، فقد تكون مجرد مرحلة طبيعية ضمن نموهم. لكن مع ذلك، من المفيد مراقبة السلوك وتوجيهه بلطف وتشجيع الطفل على تبني سلوكيات صحية. بتوفير بيئة مليئة بالحب والاحترام، وتعليم قيم التعاون والتعاطف، يمكن للآباء مساعدة أطفالهم على تطوير شخصية متوازنة تتمتع بالثقة بالنفس والتعاطف مع الآخرين.