فضل شاكر من “ملك الرومانسية” إلى متهم في قضايا إرهابية.. رحلة حياة مثيرة بين المجد والجدل

بواسطه لهلوبة الاحد , 5 أكتوبر 2025 ,12:31 م

فضل شاكر من “ملك الرومانسية” إلى متهم في قضايا إرهابية.. رحلة حياة مثي


عاد اسم الفنان اللبناني فضل شاكر إلى دائرة الضوء مجددًا بعد غياب طويل، وذلك عقب تسليمه نفسه طوعًا لمخابرات الجيش اللبناني مساء السبت عند مدخل مخيم عين الحلوة في جنوب البلاد، ليضع بذلك حدًّا لأكثر من عشر سنوات من التخفي داخل المخيم، التي لجأ إليها هربًا من أحكام قضائية صدرت بحقه وصلت إلى 22 عامًا بالسجن على خلفية اتهامات تتعلق بالإرهاب والانتماء إلى جماعات مسلحة.

بهذه الخطوة، يُفتح مجددًا الملف المعقد لمسيرة فضل شاكر، الذي انتقل من فنان متألق حمل لقب “ملك الرومانسية” إلى متهم مطلوب للعدالة. مسيرة حافلة بالتناقضات، جمعت بين الشهرة والاعتزال، وبين الأضواء والملاحقات. في السطور التالية من لهلوبة، نستعرض أبرز المحطات التي شكّلت مسار حياة الفنان اللبناني بكل ما فيها من تحولات درامية.

 

محطات هامة في حياة فضل شاكر من مولده حتى اعتزاله الفن والمشاركة في أعمال إرهابية

  • مولده وبدايته الفنية:

وُلد فضل عبد الرحمن شمندر شاكر في 1 أبريل 1969 بمدينة صيدا جنوبي لبنان، ونشأ في بيئة متواضعة داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين. عاش طفولة بسيطة، محاطة بالتحديات الاقتصادية، لكنها غذّت داخله حبّ الاجتهاد والطموح. منذ مراهقته، كان شاكر مولعًا بالطرب العربي الأصيل، يشارك في الأعراس والمناسبات الشعبية، مقلدًا عمالقة الفن مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش.

في أواخر التسعينيات، قرر أن يحوّل موهبته إلى مشروع حقيقي، فكانت انطلاقته الرسمية عام 1998 بإصدار ألبومه الأول “والله زمن”، الذي شكّل بوابة عبوره إلى عالم النجومية بفضل صوته العذب وإحساسه العميق. تلاه ألبوما “بياع القلوب” (1999) و**“حبك خيال” (2001)**، ليحفر اسمه كأحد رموز الأغنية الرومانسية، ويُمنح لاحقًا اللقب الذي لازمه طويلاً: “ملك الرومانسية”.

 

  • سنوات المجد الفني والتألق العربي:

خلال الفترة الممتدة بين 1999 و2009، عاش فضل شاكر أوج عطائه الفني، وحقّق نجاحات متتالية جعلته أحد أهم نجوم الأغنية العربية الحديثة. قدّم مجموعة من الألبومات التي رسخت مكانته بين كبار المطربين، من أبرزها: “الحب القديم”، “سهرني الشوق”، “بعدا عالبال”، الذي جمعه بدويتو شهير مع الفنانة إليسا في أغنية “جوا الروح”، التي حققت انتشارًا واسعًا في العالم العربي.

تعاون شاكر مع نخبة من الملحنين والشعراء العرب، بينهم صلاح الشرنوبي ونزار فرنسيس، وغنى بلهجات متعددة، أبرزها اللبنانية والمصرية والخليجية، ما ساهم في توسيع جماهيريته من المحيط إلى الخليج. شارك أيضًا في أهم المهرجانات العربية، من مهرجان قرطاج إلى مهرجانات القاهرة ودمشق والكويت، ونال العديد من الجوائز والتكريمات.

في تلك المرحلة، لم يكن فضل شاكر مجرد مطرب يؤدي أغنيات رومانسية، بل كان صوتًا صادقًا يعكس مشاعر الناس. أغانيه كانت مرآة للحب والحنين والخذلان، وصوته الشجيّ جعل منه رمزًا للدفء والصدق الفني، لتبقى أعماله حتى اليوم من الكلاسيكيات التي يصعب تجاوزها.

 

  • المنعطف الحاد.. من الفن إلى التشدد:

عام 2012 شكّل نقطة تحول مفصلية في حياة فضل شاكر. في خطوة فاجأت جمهوره العربي، أعلن الفنان اعتزاله الغناء نهائيًا، معتبرًا أن “الفن حرام شرعًا”، وصرّح أنه قرر “العودة إلى طريق الدين”. لم يكتف شاكر باعتزاله، بل ظهر إلى جانب الشيخ أحمد الأسير في مدينة صيدا، منخرطًا في خطاب ديني متشدد ذي طابع سياسي، متأثرًا بالأوضاع الأمنية والاحتقان الطائفي الذي كان يسود لبنان آنذاك.

تفاقم الموقف في يونيو 2013 حين اندلعت أحداث عبرا، التي شهدت اشتباكات دامية بين أنصار الأسير والجيش اللبناني، وأسفرت عن مقتل عدد من الجنود. لاحقًا، وُجّهت إلى فضل شاكر اتهامات بالتحريض والمشاركة في المواجهات، خصوصًا بعد انتشار مقاطع مصوّرة له يتحدث فيها عن “الانتصار على الجيش”، ما أثار موجة غضب واسعة في لبنان والعالم العربي.

ومنذ تلك الأحداث، اختفى شاكر عن الأنظار، متواريًا داخل مخيم عين الحلوة، ليبدأ مرحلة طويلة من العزلة والملاحقة الأمنية، بعدما تحوّل من “نجم الغناء العربي” إلى اسم مدرج على قوائم المطلوبين.

 

  • الأحكام القضائية والملاحقات القانونية:

لم تتأخر العدالة اللبنانية في ملاحقته، فبعد سنوات من الاختفاء، أصدرت المحكمة العسكرية في ديسمبر 2020 حكمًا غيابيًا يقضي بسجنه 22 عامًا مع الأشغال الشاقة، بعد إدانته بـ“الانتماء إلى تنظيم إرهابي وتمويله”. كما قضت المحكمة بتجريده من حقوقه المدنية.

وكانت قد صدرت قبلاً أحكام أخرى بحقه، من بينها السجن 15 عامًا في قضية الشيخ أحمد الأسير، غير أنه حصل عام 2018 على تبرئة من تهمة قتل جنود لبنانيين، ما جعل وضعه القانوني معلقًا بين أحكام الإدانة والبراءة. ومع ذلك، ظل شاكر يعيش داخل المخيم بصفته مطلوبًا، بعيدًا عن الساحة الفنية التي كانت يومًا عالمه الأول.

 

  • محاولات العودة إلى الأضوء:

رغم حياته في الظل، حاول فضل شاكر خلال الأعوام الأخيرة استعادة بعضٍ من مجده الغنائي، فبدأ منذ عام 2018 بنشر أغنيات جديدة من داخل المخيم، منها “ليه الجرح” و“مع السلامة” و“لما بتوحشيني”، لتعيد صوته إلى الساحة ولو من خلف الجدران.

إلا أن هذه الخطوات قوبلت بانقسام حاد في الرأي العام؛ فبينما رأى البعض أنها خطوة توبة فنية ورغبة في استعادة الذات، رفض آخرون عودته معتبرين أن “الفن لا يجب أن يكون وسيلة لغسل التاريخ”.

وفي عام 2018 أيضًا، أدّى فضل شاكر تتر مسلسل “لدينا أقوال أخرى” للنجمة يسرا، لكن بعد ساعات قليلة من طرح الأغنية، قررت الشركة المنتجة سحبها من العرض تحت ضغط الرأي العام والانتقادات الحادة، ما أظهر أن طريقه نحو العودة لن يكون سهلاً.

 

  • "يا غايب".. وثائقي يجسد مسيرته الفنية واعتزاله:

في عام 2025 أطلقت منصة “شاهد” الوثائقية عملاً بعنوان "يا غايب"، يوثّق سيرة حياة فضل شاكر بصوته لأول مرة، حيث يروي تفاصيل رحلته من قمة المجد إلى قاع العزلة. تضمن الوثائقي شهادات حصرية من أفراد عائلته وأصدقائه وزملائه في الوسط الفني، كما تطرق إلى الأسباب التي قادته نحو الاعتزال والانغلاق داخل المخيم.

العمل أعاد الجدل حول شاكر إلى الواجهة مجددًا؛ فبين من رأى فيه توثيقًا إنسانيًا مؤثرًا لقصة سقوط نجم، وبين من اعتبره محاولة لتبييض صورة شخص مسؤول عن أفعاله، انقسمت الآراء بشدة. ومع ذلك، حقق الوثائقي نسب مشاهدة مرتفعة، وأعاد اسم فضل شاكر إلى دائرة النقاش الثقافي والإعلامي.

 

  • القبض على فضل شاكر:

وفي 4 أكتوبر 2025، أنهى فضل شاكر سنوات الهروب الطويلة حين سلّم نفسه طوعًا إلى مخابرات الجيش اللبناني عند حاجز الحسبة على مدخل مخيم عين الحلوة، بعد تنسيق مسبق مع وجهاء المخيم ومسؤولين في وزارة الدفاع اللبنانية.

وذكرت وكالات الأنباء أن شاكر هو من بادر بنفسه إلى خطوة التسليم، حيث توجهت قوة من المخابرات لتسلّمه رسميًا، قبل نقله إلى ثكنة زغيب العسكرية في صيدا، ومنها إلى بيروت لمباشرة التحقيقات.

ونقلت وكالة رويترز عن شهود عيان أن شاكر خرج من المخيم مبتسمًا وهادئًا، يسير بخطوات ثابتة، متحدثًا إلى مرافقيه بتفاؤل وثقة. وأوضح الشهود أن ثلاثة ضباط من الجيش تسلموه رسميًا تمهيدًا لبدء الاستجواب.


قولى رأيك

تابعنا علي فيسبوك